المثلية الجنسية في ليبيا

المثلية الجنسية في ليبيا

Be first to like this.

حال المثليات والمثليين في ليبيا لا يختلف عن حالهم في دول المنطقة، بل أعتقد أنه من أسوأ الأحوال، فليبيا من الدول المتأخرة في إحترام حقوق الإنسان، و يحكمها موروث إجتماعي من عادات وتقاليد ومرجعية دينية تُقصي كل ماهو مختلف، بالإضافة إلي وضع أمني سيئ ومستوي تعليم وثقافة حرجة، كل ذلك يجعل المجتمع الليبي مجتمع متقوقع علي نفسه، يمارس العنف على عدة مستويات

فنلاحظ الإقصاء والنبذ يمارس من العقل الجمعي للمجتمع بطريقة أبوية ذكورية وبشكل متفاوت، فالجماعات التى تستمد قوتها من الموروث الديني والإجتماعي ترى نفسها أٌفضل من الفئات المختلفه عنها، وتعتبرها أقل منها مكانة وبالتالى تمارس عليها العنف، حيث نلاحظ في الحياة اليومية و في إستخدام اللغة و حتى النكتة والموروث الثقافي والفني إختلاف في التعامل بين الأفراد على حسب اللون والجنس والمنطقة فمثلا من يعيشون في المدينة يقللون من شأن سكان الأرياف و أيضا المرأة والنازحين و الأجانب و المهاجرين لهم نصيب من النبذ و محدودية الصلاحيات والحقوق، وبشكل غير مقصود تكرر الفئات المعنفة هذة الممارسات فيما بينها وعلى من أضعف منها، وبالتالي ندخل في دوامة عنف لاتنتهي

يعتبر مجتمع الميم* أكثر الفئات المستضعفة في ليبيا، حيث يتم ممارسة عنف فكري ونفسي وجسدي مشدد على المنتمين إليه ولا ينظر لأحد من أفراد مجتمع الميم بإعتباره إنسان له أبسط الحقوق و الحريات أو حتى الكرامة، بل هن وهم من أصحاب الخطيئة والعار والمغرر بهم والأخرون هم المطهرون والذين سينقذون البشرية.

فالمثلي الطفل أو المراهق من النادر أن يجد في الأسرة والمدرسة المساحة الأمنة والصحية التى يستطيع أن يتحدث فيها عن أفكاره وميوله أو إهتماماته، خوفا من الرد السلبي والقمع والإستهزاء سواء من الأهل أو من الأصدقاء والزملاء، فالعنف الجسدي و اللفضي هو ردة الفعل الأولى على سلوك أو شكل المثلي غير المرغوب به في المدرسة أو المنزل، حيث تستخدم في اللهجة الليبية كلامات سيئة تصف المثليات والمثليين أكثر من التي تصف الشيطان

والمدرسة أصبح دورها جاف و شبه معدوم فلن تجد دور للأخصائي الإجتماعي ولا المربي، وأيضا الضغط الأسري بسبب الموروث الذي يعرف المثلية بأنها فعل محرم و معيب بالتالي لا تستطيع المثليات والمثليون الخروج من الخزانة، ويعيشون في إزدواجية بين ماهن/هم عليه وما ينظر لهن/هم المجتمع، وتبدأ دوامة من التساؤولات أما أن تؤدي للخوف و الهروب في الصمت والإضطرابات و حتى الإنتحار أو الأنطلاق في أماكن سرية كالإنترنت والبحث والتعرف، حينها قد يشعرون بالرضا عن النفس عند وجوده مع من يشبههن/هم ولو بشكل سري.

وأيضا ضغط المجتمع يستمر حتى لأعمار متقدمة، فالمثليات والمثليين يعيشون حياة سرية لا يعرفها أحد وهن/هم  في عرضة دائمة للخطر و ويعيشون في خوف وتوتر عند تقدم العمر بسبب فرض الزواج عليهم من قبل الأسرة، فقد يتهرب البعض أحياناً ولكن في الأخير سيتحدث الناس وسيزداد الضغط والتساؤولات، فالبعض يبدأ حياة لا يرغب بها لها مضاعفات سيئة إجتماعيا قد تسبب الطلاق والخيانة وإجبار شخص بحياة لا يرغب بها.

القمع الذي يتعرض له المثليات والمثليين في ليبيا يتمثل في الفكر والخطاب الديني، وغياب دور المدرسة والأسرة ً كحضن وملجأ بل أصبح دورها كسجن من الخوف والترهيب، والقانون الذي يقمع الحريات والحقوق والسجون التى تعتبر جحيم لا مهرب منه، وإنعدام دور الإعلام كرقيب أو مصلح إجتماعي بالإضافة الى تهميش من قبل منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين.

ولا ننسى وضع ليبيا الأمني فهناك إرهاب ممارس من قبل المليشيات العسكرية والجماعات المتشددة دينياً، التى تعتبر نفسها السلطة الحاكمة، فالتقارير والشواهد تتحدث عن ضحايا تعذيب وإغتصاب وقتل أكثر من قبل.

فما يعانية مجتمع الميم في دول المنطقة من غياب للحريات والحقوق والقمع هوا نفسه في ليبيا ولكن خصوصية ليبيا تتمثل في كل ماذكر ونستطيع أن نضيف له غياب مساحة من الحوار في الأسرة أو الإعلام أو حتي بين النشطاء وعدم وجود مؤسسات دولة يمكن التعامل معها وبدون دعم دولي أو ضغط حقوقي.

فمثلا عندما يتم إعتقال إحدى المثليات أو المثليين، لا يستطيع أحد مساعدته، لانه في عداد المخطوفين، حيث من يملك السلطة في ليبيا  للقبض والإحتجاز هي مليشيات عسكرية ولا تنبع اى قانون او مرجعية مؤسساتيه، تعمل بخلفية دينية أو إجتماعية تحت مسمى الإصلاح وأحيانا من أجل المال، فلا دور في الأساس للشرطة أو للقضاء.

أن الخوف من الإختلاف ومن المجهول تدفع إلي إستضعاف المثليات والمثليين في ليبيا بحجة إن الميول المثلي مرض حسب رأيهم ولأنه محرم دينيا ً ولأنه شيئ مستورد من الغرب.

كل هذة الحجج مردود عنها

أولا ً: الدين حرية شخصية للإنسان ولا يجب أن يحكم شخص على الأخرين بإعتقاداته، حيث يختلف الكثيرون في فهمهم للدين، فدين الأغلبية في ليبيا هو الإسلام، منهم المتدين وغير المتدين وهناك مجموعات غير مسلمة وبإنتماءات مختلفة، بالنسبة للفئات غير المسلمة ليس من المنطق أن تحاجج شخص بدين غير مقتنع به، وأما للمسلمين فالإسلام فيه مذاهب وتيارات مختلفة فمنهم المقتنع بالقران فقط بدون تفسير و منهم غير المقتنع بالحديث ومنهم المختلف على التفاسير، والكثير من المؤرخين يتعبرون هذة التحركات ذات أهداف سياسية من أجل السيطرة مع مر العصور سواء عند العباسيين أو الأمويين أو غيرهم حتى يومنا هذا تجد الدين والتفسيرات والفتاوي تتغير على مزاج الساسه، فالمثلية الجنسية في بعض الدول الإسلامية عقوبتها الإعدام أو السجن مثل ليبيا والسودان والسعودية وهناك دول مسلمة مثل ألبانيا وسيراليون وغينيا بيساو تضمن حقوق المثليين.

انا لست بصدد التعمق في الدين، حيث أرى أن أى نص يدفع الأخرين لتطبيق أذى جسدي أو نفسي لشخص أخر بسبب هويته، يعتبر دعوة للكراهية، فليس من المنطق أن نحكم على إنسان بالموت بسبب ممارساته و مشاعره التي هوا حر بها مع نفسه ومع من يحب برضاهم وبدون التسبب بمضرة لأحد منهم أو لغيرهم.

ثانيا ً: المثلية هي مرض و شيئ غير طبيعي، الرد هنا يكون بالعلم أعتقد، فالعلماء بإختلاف تخصصاتهم أتفقوا على ان المثلية هي توجه جنسي يتسم بالانجذاب الشعوري، والجنسي بين أشخاص من نفس الجنس، وقد تُعتبر المثلية هويّة يشعر بها الإنسان بناءً على هذه الميول والتصرفات المصاحبة لها، بالإضافة إلى الشعور بأنه جزء من جماعة تشاركه هذه الميول، فما هو غير الطبيعي في هذا ؟

و أيضاُ العلم والطب لا يُعْتَبَر التوجه الجنسي إختياراً، وإنما تفاعلاً معقداً لعوامل بيولوجية وبيئية.[1] ورغم وجود اعتقاد شائع بأنَّ السلوك المثلي هو شذوذ أو اختلال[2] فقد أظهرت الأبحاث أنَّ المثلية الجنسية هي إحدى التنوعات الطبيعية في الميول الجنسية الإنسانية. وأنها بذاتها لا تشكل مصدراَ للمؤثرات النفسية السلبية على الفرد المثلي.[3] ولقد لوحظ ووُثِّق السلوك الجنسي المثلي أيضاً لدى أنواع مختلفة من الحيوانات.

منذ سبعينيات القرن العشرين كان هناك إجماع بين العاملين في مجال العلوم السلوكية والاجتماعية والمهن الصحية والنفسية على صعيد عالمي بأن المثلية الجنسية هي شكل صحي من أشكال التوجه الجنسي عند البشر وفي عام 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي و أزالت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة  تصنيف المثلية كاضطراب نفسي عام 1990. [4]

ثالثا : الميول المثلي ليس مستورد من الغرب ولا من الشرق فهوا شيئ طبيعي في الإنسان بإختلاف أعراقه وتواجده الجغرافي، هناك دلائل تاريخية على وجود المثلية الجنسية في حضارات مختلفة في جنوب  وشرق اسيا و أوروبا وأفريقا وحتى  الامريكيتين وأيضا المنطقة التى تعرف بالشرق الأوسط  فمثلا بعض رسوم الحضارة  الفرعونية و قصة جلجامش والقصة التوراتية لدافيد وجوناثان و بعض من قصص الصفويين في فارس توثق ممارسات مثلية .[5]

فالميول المثلي كان موضوعاً يتكرر في الفن الأدبي الذي كتبه مسلمون منذ القرن الثامن عشر وحتى العصر الحديث،[6] بحيث تضمن تعبيراً إيجابياً عن المشاعر المثلية والشبق المثلي وقصائد حب موجهة لصبيان. كان هذا النوع من الأدب مقبول بشكل واسع، ونافس الشعر الموجه للنساء. وقد بدأ باللغة العربية ومن ثم الفارسية والتركية والأردية. إن أشهر الشعراء من العصر العباسي كان أبو نواس، وكان يثني في قصائده كثيراً على الجمال الخنثوي.[7] و أيضا تجد المثلية في أعمال أدبية مثل ألف ليلة وليلة، رباعيات الخيام، وبعض الكتب التعليمية الجنسية أيضاً، مثل الروض العاطر في نزهة الخاطر، لمحمد النفزاوي، إذ تناول فيه الجنس المثلي كجزء طبيعي من النشاطات الجنسية لدى الإنسان.[8]

وعلى الرغم من العنف الممارس ومن الوضع السيئ في ليبيا تجد مقاومة للمثليات والمثليين من أجل الحياة ولو بشكل سري من خلال هروبهم من الواقع الى العالم الإفتراضي بتواجد مكثف في مواقع التواصل الإجتماعي والبرامج الخاصة بالتعارف، مع أن نسبة كبيرة منهم لازالوا عرضة للخطر في هذا الفضاء الإلكتروني سواء كان بتعرضهم للإبتزاز أو الإعتقال والتتبع.

رواد الإنترنت من المثليات والمثليين أغلبهم لا يرغبون بالحديث عن الحقوق والحريات بالإضافة إلي قلة معرفتهم وخبرتهم عن الميول المثلي علمياً وقانونياً و خوفهم من الخروج من الخزانة، وبالرغم من وجود بعض المبادرات الليبية في مجال حقوق مجتمع الميم مثل فل وياسمين و مجلة قزح  و إل جي بي تي ليبيا إلا أن الوضع في ليبيا كالعادة معقد جداً ليتم تحليله، ويحتاج لبحث أكثر وتفكير بعقل وبحيادية وبإنسانية.

*(مجتمع الميم: هم ذوي الميول الجنسية المثلية، المزدوجة، والمتحولة، والمتسائلين عن ميولهم).

Smalls، James (20qw). Homosexuality in Art. Parkstone International. صفحات 131–137.

Quantcast